الاثنين، 5 ديسمبر 2011

"سلطة بلدي" بلا ملح

ذهبت لمشاهدة فيلم "سلطة بلدي" أخيرا (وشكرا لجهود مجموعة "فلسطينما" بالمناسبة) بعد انتظار طويل حيث سمعت عنه من صديقة بريطانية منذ عامين. الحديث يدور عن فيلم وثائقي يعرض قصة حياة امرأة (هي نائلة كامل) في خريف عمرها تبغي أن تعرف حفيدها نبيل على شجرة العائلة وجذورها فتقوم بالتخطيط لجولة معه ليتعرف على ثقافات تجتمع كلها في هويته المصرية. نائلة الجدة، وهي والدة المخرجة، شخصية طاغية بقوتها وحضورها الممتع المرح في الفيلم نسترجع من خلالها مصر الساحرة التي اجتذبت إليها خليط من الثقافات مصر التي نمت فيها نائلة شخصية متمردة، ناشطة سياسيا، مثقفة، دفعت ثمن نضالها كشيوعية بسجنها 7 سنوات.
الفيلم جميل بعفويته التي تبدو مقنعة وحقيقية أحيانا أكثر من أخرى، وتتسلسل الأحداث بحيث ننتقل مع نائلة من مصر إلى ايطاليا حيث انتقل والديها للعيش فيها بعد أن تقاعدا، ايطاليا، بلدة والدتها الايطالية التي عملت في مصر أوائل القرن العشرين حيث لاقت حبيبها المصري اليهودي الديانة وتزوجا رغم اعتراض الراباي. معلومة حين نعرفها كمشاهدين نفهم أنّ البطلة الجميلة ذات الروح الأجمل هي ابنة ليهودي، ومن المفترض أن نصاب بصدمة كما صار بقريبتها في الفيلم، بالفعل هذا ما قد يحدث حقيقة للإنسان النموذجي العربي، ومن هنا جاء الفيلم ليكسر طابوهات ويغير معتقدات حول مفهوم اليهودي والأفكار المسبقة عنه وعن ارتباطه بإسرائيل والصهيونية، ويذهب التكسير بعيدا ليطال المقاطعة لإسرائيل بزيارة نائلة أقاربها في تل أبيب للمرة الأولى والأخيرة في حياتها.
تقرر نائلة وزوجها وابنتها السفر إلى إسرائيل، بعد قرار اتخذ بصعوبة وثقل إلا أن هدف رحلتهم هي زيارة الأقارب، فالقصة بطابعها شخصية تأتي لتوثق كل ما يدور مع نائلة ومن خلال ذلك تتطرق إلى القضية الفلسطينية وعلاقة العرب فيها.
الفيلم يصدم بعض الشيء، يتركك مع شعور بعدم الاقتناع وبرغبة بالمزيد من كلام نائلة، تنتظر طوال الفيلم أن تسمعها تتحدث عن لب قضية فلسطين عن النكبة، لكن ذلك لا يحدث. وينجح الفيلم في أن يظهر لنا نصف الكأس الفارغ الممتلئ باللغط حول مفهوم مقاطعة إسرائيل وعدم التطبيع والمغزى منه بين الشعوب العربية، إلا أن عدم إظهار النصف الآخر للمقاطعة وأسسها التي تعود إلى الاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين وتطهيرها عرقيا، صعب علي في تقبل هذا النقد الذي قد يكون في مكانه ولكنه لا يفي الصورة الكاملة حقها وبالطبع غير جدير بأن يدعم الادعاء أنّ الإسرائيلي هو ضحية سياسات حكومته الذي يحاول الترويج له.
ما أزعجني أيضا في الفيلم هو التطرق الجزئي للقضية، لا يتم ذكر الفلسطينيين الموجودين في إسرائيل البته، وكأنّهم ليسوا جزء من المعادلة، وكأن القضية بدأت من احتلال الضفة وغزة عام 1967 ومما فيه رسالة مبطنة أنّ الحل يكمن في دولتين لشعبين وانتهى.
من جهة أخرى الواقع يتكلم عن نفسه، تسافر نائلة وزوجها وابنتها لزيارة من تبقى من عائلتها اليهودية، وبالأخص سيرينا المرأة المصابة بالقلب في آخر عمرها تحكي عبر دموعها وتأثرها عن "نكبتها" التي مرت بها، نعم نكبة اليهود العرب الذين حيكت الحيل لجلبهم إلى "وطنهم القومي"، وبينما نرى بقية عائلتها من أبنائها وأحفادها يجلسون حول نائلة وزوجها وسيرينا كالكائنات الفضائية لا يفهمون من هؤلاء وما الذي جاء بهم، وبإمكاننا أن نرى الإنكار المبطن لأصولهم العربية وحياة أمهم\جدتهم في مصر، وبل التنصل منها والاستعلاء عليها، بتشكيكهم بإيجاد سيرينا اللغة العربية وإفصاحهم أنهم طبعا لا يتكلمون العربية. كذلك نرى أن الشخصيات التي عاشت طفولتها في القاهرة مصابون بانفصام ما، هويتهم مليئة بالتناقضات، بينما هم يستمعون إلى أم كلثوم يخدم أحفادهم في الجيش الإسرائيلي، ليصيروا صهاينة بعد كل شيء ويصارعوا الحرب المطموسة على عروبتهم. الحقيقة أنّ نكبة اليهود العرب تستحق التوثيق حقا، إلا انه لا يصح أن نتلو الروايات الصهيونية حول كيفية جلب اليهود من الدول العربية إلي إسرائيل، دون دحضها.
هنالك معني كبير لذلك أنّ نائلة هي من زارت سيرينا وليس العكس، هي من تحدت حاجز الخوف أو لنقل أنها من قبلت التحدي وعدم الانصياع للمسلمات، إلا أنّه في رحلتها وزيارتها نقصنا إظهار بعدها المبدئي من القضية الفلسطينية، فهي تذهب رغم كل الترددات ولكن مع ذهابها وكأنه هنالك تجاهل للحيز العام للمرور بشوارع تل أبيب للصدمة من رؤية "فلسطين التاريخية" محتلة ورؤية الشوارع الخالية من المباني العربية وكأنّ شيئا لم يكن، وهنا تكمن الحلقة الناقصة في الفيلم، هذه الحلقة التي تظهر نائلة الإنسانة التي سجنت لأجل مبادئها 3 مرات، لا نراها مقاومة نراها مستسلمة فقط لعواطف الحنين والاختلاط بالمشاعر لمقابلة أقربائها. والسؤال الذي يطرح، هل كانت سيرينا وعائلتها ستفكر بالذهاب إلى مصر لزيارة بلدها الأم ولتعرف أحفادها عليه؟ أم أنّ الواقع صهرهم ليصبحوا أكثر صهاينة ومنغلقين على أنفسهم كما يقول أحد أقربائها في الفيلم "هنا ليس القاهرة الكوسموبوليتية هنا على العكس، مجتمع متجانس وطني منغلق"، اعتنقوا الرواية الصهيونية ونظروا بالتعالي إلى ماضيهم إلي عروبتهم التي أنكروها تماما.
جملة ماجدة المأخوذة من السياق والتي أتفق معها في انتقادها للمقاطعة من ناحية أنه مع مقاطعة الشعوب العربية لإسرائيل "قاطعتمونا إحنا كمان" أي الفلسطينيون.

هناك تعليقان (2):